"تعرضت للضرب الحقيقي في سجن باب الحارة"
أدلل زوجتي على الطريقة الحديثة ولا أقول لها "عسل يا عسل"!
الحوار مع ميلاد يوسف، المعروف باسم "عصام" في مسلسل "باب الحارة" يأخذ منحى آخر، إذ انه إلى جانب موهبته الفنية، يتحلى بالثقافة والحكمة بما يكفي ليروي عصارة خبرته الإنسانية الشخصية مذ قرر خوض معركة الحياة في سن مبكرة، معتمداً على نفسه في كل شيء. قرارات هامة اتخذها ميلاد، كانت بمثابة مغامرة، فإما تمضي به إلى ذروة النجاح، وإما الفشل فيهوي وتتكسر أجنحته.
هذا هو النجم السوري، ككتاب مفتوح، يروي في هذا اللقاء الجريء، أصدق اللحظات التي عاشها مع نفسه، مع أهله، مع زوجته ومع أولاده وأموراً أخرى طريفة، وتحديداً "قصة الفلقة".
هل يمكننا الاعتبار أن "باب الحارة" كان بمثابة "باب الحظ" بالنسبة إليك؟
- الحقيقة انني أعتبر "باب الحارة" مفتاح الانتشار الأوسع، عربياً بالتحديد وخليجياً، علماً انني سبق أن حققت ذلك من خلال أعمال ناجحة عدة، وجاء هذا المسلسل للتأكيد على ذلك والتعريف أكثر عن شخصية ميلاد يوسف.
لا شك في أن المشاهد العربي عرفك من خلال شخصيات عدة لعبتها سابقاً، خصوصاً في مسلسل "أبناء القهر"؟
- طبعاً، لعبت دور "نوار"، وقد لاقى رواجاً مذهلاً.
ما يميز "باب الحارة" أنه منح العديد من الفرص للممثلين، فلم تنحصر الشهرة في بطل أو بطلة، بل في الجميع؟
- للنص أهمية كبيرة في توزيع الأدوار بشكل منصف، يعطي الشخصية حقها. حتى ولو كان عدد المشاهد قليلاً، إلا أنه يترك أثراً. وبذلك، يمكن أن تشبّه هذا العمل بلوحة فسيفساء، إن فقدت حبة حصى واحدة تشوهت اللوحة.
وما كان أصعب مشاهدك؟
- مشهد "الفلقة" في السجن.
لا تقل لي إنك ضُربت في الواقع؟
- صحيح، الضرب واقعي، وهذه من إحدى طرائف العمل. لقد حاولوا قبل ذلك أن يصمموا عصا من الفلين ولم يفلحوا، ثم قرروا أن يحموا قدميّ بشيء ما يلصقونه كي لا أتألم وفشلت الفكرة. بعدها قرروا ألا تصل العصا فعلاً حتى قدميّ، لكن هذا الأمر ظهر بوضوح على الكاميرا أثناء التصوير، وحينها لم يجد المخرج بسام الملا حلاً إلا ان يطلب مني تحمل ذلك أقله لمدة دقيقتين، والمثير أن الشرطي الممثل زهير رمضان أو "أبو جودت" كان منفعلاً أثناء أدائه للدور، فلم يرحمني وأنا أصرخ من الألم، إذ كان يعتقد أنني أمثل دوري.
وكيف تحملت ذلك؟
- رغم الألم، تشعر بمتعة أثناء التمثيل. وفي النهاية، نحن كلنا أسرة واحدة.
استخدمتم لغة شعبية خاصة كانت مستخدمة في حقبة ما في دمشق وصارت متداولة الآن بعد عرض المسلسل؟
- المشاهدون تعلقوا بشخصيات العمل وأعجبوا بالمصطلحات المستعملة وهي قديمة جداً، كعبارة الغزل التي كنت أغازل بها زوجتي كـ"عسل يا عسل"، وهي أصبحت "لازمة" عند الشباب، كما عبارة "حاسس حالي مخستِك" أي تعِب، وكذلك كلمة "ضعفان" أي مريض.
ومن الملاحظ أن لكل شخصية مصطلحات معينة؟
- أجل، كتلك التي ارتبطت بالفنانة وفاء موصللي.
هل تدلل زوجتك كميلاد كما دللت زوجتك في المسلسل؟
- أدللها على الطريقة الحديثة، ولكن لا أقول لها "عسل يا عسل" باستثناء بعض العبارات التي تفلت مني... إنما في الواقع، أنا أفصل بين حياتي الشخصية وبين الـ Character الذي ألعبه.
أنت تفصل لأنك ممثل محترف، ولكن هل تفصل زوجتك بين ما تشاهده وبين مشاعرها، إذ لا بد أنها رأتك في مشهد "الدخلة" وأنت تشارك العروس سريراً واحداً قائلاً لها العبارة الشهيرة "عسل يا عسل"؟
- يعني... هي تعتبر الأمر مجرد "نكتة" أكثر مما هو واقع... أما تعليقاتها على المشهد فهي "خفيفة نضيفة"، كأن تقول لي مثلاً: "ما عاد شفنا منك شي هيك"!
ماذا لو انك تخجل من القيام بأمور معينة في حياتك الشخصية وصودف أن طُلب منك تنفيذها في مشهد معين، كيف تتصرف؟
- هناك تقنية معينة أستعين بها، وبمزيد من المجهود والانفعال أضفي على المشهد نوعاً من الحرفية. لا بد للممثل أن يلعب الأدوار كافة، فأنا خجول بطبعي، ولكني أتخطى ذلك أمام الكاميرا.
ألم تتردد في لعب دور الشاب المتعلق بوالدته لمن يعاني "عقدة أوديب" والذي لا يقوم بأي عمل قبل الحصول على موافقتها؟
- أرى أن شخصية "عصام" تحديداً هي الأكثر تميزاً إلى جانب شخصية "أبو عصام" لناحية أن الشخصيتين المذكورتين ليستا محصورتين بنمط واحد، بل نرى أحياناً "عصام" ضعيفاً، وفي أحيان أخرى انفعالياً أو لطيفاً، أي ان هناك تبايناً في مستوى الشخصية التي تتطور مع تتابع الأحداث.
عملياً، كيف تفسر ذلك؟
- بداية، تبرز شخصية "عصام" ضعيفة، فهو متعلق جداً بوالدته، ومن ثم تتكرر المشاكل مع زوجته فصار يتعرض لضغوطات جعلته يتحمل مسؤوليات أكبر.
وهنا يكمن دور الممثل الجيد؟
- من دون شك... هنا يبذل أقصى جهده لإيصال الفكرة من خلال الأداء الجيد والاحتراف إلى جانب إدارة المخرج له وإبداء ملاحظاته وتوجيهاته، لذا أوجه تحياتي للأستاذ بسام الملا وأرى أنه من المهم جداً اقتناص الفرصة السانحة للعمل مع مخرج بهذه الأهمية.
إذا حاولت المقارنة بين حياتك الشخصية وبين الدور الذي لعبته، تلاحظ أن هناك تناقضاً كبيراً، فأنت تركت والدتك في سن مبكرة وعشت باستقلالية تامة؟
- في الواقع، لقد تركت منزل الأهل في سن الـ 17، انفصلت عنهم بعدما كنت متربياً وسط عائلة كبيرة لها عاداتها وتقاليدها.
هذا الانسلاخ المبكر عن الوالدة، هل جرحها؟
- طبعاً، لقد سببت الكثير من القلق لأهلي ونوعاً من الخوف الدائم عليّ، إلا انني كنت أعاني الحيرة في اتخاذ القرار المناسب لمستقبلي، وكنت أواجه حرباً داخلية، فمن جهة عليّ الانخراط في مجتمع لا أعرف عنه الكثير محاطاً بالمخاطر، ومن جهة أخرى كنت أفكر في وسيلة لكي أقاوم مغريات الحياة الجديدة، وأنا القادم من كنف عائلة محافظة. فكان لا بد من التمرد، وفي النهاية قد يؤدي ذلك إلى مواجهة العديد من المشاكل والتحديات.
وهل أدى ذلك إلى جفاء بينك وبين الأهل؟
- لا يمكننا قول "جفاء"، إنما بعدما اكتشفوا أهمية الموقف الذي اتخذته في حياتي، وبعد أن قطفت ثمار النجاح، أضحوا من أهم المشجعين لي وهم الآن سندي الأكبر.
كنت قد انتقلت من الريف إلى المدينة؟
- انتقلت من محافظة حمص إلى دمشق، ما اضطرني إلى التقصير تجاه أهلي، كوني في سفر دائم، فقد تمر 6 أشهر أقله بين زيارة وأخرى بسبب ضغوط العمل والحياة والأسرة.
هل مررت بلحظات ضعف جعلتك تندم على هذه الخطوة؟
- لا شك في أن الإنسان ضعيف وقد يمر بحالات مماثلة، إنما أنا من النوع الذي يتحمل مسؤولية قراراته، كما ان الضغوط تولد عندي إصراراً أكبر على المضي قدماً في تحقيق أهدافي، كما تولد الإبداع والثبات على حد سواء.
أي مواجهة مع نفسك أو مع أمك جعلتك تبكي؟
- يمكنك القول لحظة قررت الارتباط أو الزواج، إذ شعرت حينها انني وحيد وضعيف، ربما لأن هذا القرار كان مصيرياً.
هل تزوجت في سن مبكرة؟
- في سن الـ 27.
في هذا العصر، يعتبر زواجك أتى في سن مبكرة فعلاً، علماً ان الفنان يفضل أن يهتم بشهرته وتحقيق ثروته المادية قبل الزواج، وقد يعتبر أن هذه الخطوة الجريئة قد تؤثر على مستقبله الفني؟
- أنا عكست هذه المقولة وقررت أن أحقق نفسي بالتزامن مع الزواج، فلا بد أن تأخذ في عين الاعتبار أنني عشت وحيداً نحو عشر سنوات، وبكل بساطة أقولها إنني تعبت نفسياً، خصوصاً أثناء فترة الدراسة وبعد التخرج من المعهد... كما انني أحب الاستقرار، كوني بيتوتياً وكان لا بد من اتخاذ قرار حاسم حين تقابلت مع زوجتي، إذ شعرت ان سعادتي هي في أن أعيش إلى جانبها ومعها وانها الأفضل لتكون أم أولادي التي ستؤمن لنا الراحة والأمان.
ألا تعتقد أننا نحن الرجال أنانيون في طريقة تفكيرنا ومعالجة أمورنا؟ أنت تختار من يؤمّن لك راحتك، ألم تفكر في راحتها هي؟
- تماماً، ولكن لا تنس أنهن بارعات في تحصيل حقوقهن رغم أنهن لا يطالبن بها جهاراً، ولكن يحصلن عليها بكل سهولة. اطمئن، لديهن أسلوب خاص فيما نحن نطالب علناً بحقوقنا ونضطر أحياناً إلى التخلي عنها.
لديك ولدان صحيح؟
- أجل، ماركوس (3 سنوات) وفيديل (عام واحد).
عالجتم موضوع تعدد الزوجات في المسلسل، ما رأيك كشاب شرقي بذلك، هل أنت مع أو ضد؟
- إذا سألتني رأيي، فأنا لست مع ذلك، "لأنه يا دوب تلحق بهالعصر تكفي واحدة"... "زوجة واحدة وكفى"!
يكفي من أي ناحية؟ أتعني المصروف المادي؟
- لا يُطلب من الرجل تأمين المال وحسب، بل المشاعر والأحاسيس والوعي والمسؤولية، فكيف ستحمل بطيختين في يد واحدة؟!... "عصام" عاش في حقبة زمنية مختلفة لا يمكننا التأقلم معها حالياً، علماً ان هناك بعض الرجال المهووسين بتعدد الزوجات في هذا العصر.
كانت المرأة خاضعة ولا يُسمح لها بإبداء رأيها، فتعيش في حالة قهر وخنوع...
- كانت سلطة الرجل أقوى!
حالياً، بات يُطلب من الرجل الكثير لتحقيقه؟
- طبعاً، المطلوب أكثر بكثير، وهذا يشكل عبئاً عليه، ولم يعد من السهل تحقيق هذه المعادلة في هذا الزمن.
لمن يخفق قلبك بشدة؟
- لولديّ، خصوصاً حين أراهما بعد فترة غياب طويلة.
لماذا تغيب لفترات طويلة؟
- لدواعي العمل والتصوير المتواصل.
هل تتبدل طباعك بحكم الظروف؟
- أنا أتحكم بمزاجي رغم انني لست مزاجياً.
هل تثور وتغضب بسرعة؟
- لست انفعالياً وذكي في التعامل مع الانفعال، إذ انني أمتص غضب الآخر.
بصراحة، هل يشبهك "عصام" بطريقة ما؟
- يمكنك قول ذلك، فأحياناً أتحكم بنفسي ولا أطلق العنان لانفعالاتي، وأحياناً أخرى أترك لمزاجي الحرية التامة.
هل تعلمت الحلاقة فعلاً؟
- تدربت بعض الشيء، أقله على طريقة مسك "الموس" والخيط، لكي أقدم الدور بشكل مقنع. المشاهد العادي لا يمكنه اكتشاف الأخطاء، إنما لا يخفى ذلك على حلاق محترف.
موضوع: ميلاد يوسف : "تعرضت للضرب الحقيقي في سجن باب الحارة" 
الجمعة فبراير 13, 2009 8:45 am
